منذ تشكيل الحكومة العراقية الجديدة عام 2003 والبدء باول عملية انتخابية عام 2005 لانتخاب النواب الذين يمثلون العراقيين في البرلمان كانت عملية تشكيل الحكومة تخضع لاعتبارات وأشكال سياسية تضاف الى النتائج الانتخابية بعد كل انتخابات.
وتتكون هذه الاعتبارات من نوعين: الاول، الاعتبارات القومية و الطائفية والولائية السياسية لغير العراق، وقدرة تحقيق المصالح الخاصة بالكتلة السياسية، والتغطية على الفساد المالي والاداري، و الثاني الاعتبارات الوطنية التي تسعى الى الاصلاح.
على مدى الحكومات العراقية السابقة كانت الاعتبارات من النوع الاول القومية والطائفية و بقيتها طاغية على تشكيل الحكومة ضمن اشكال سياسية مثل حكومة المحاصصة “توزيع المناصب لكل طائفة” و حكومة التوافق “تعتمد التسهيلات و التوافقات والحوارات بين الكتل لتوزيع المناصب” و الاغلبية السياسية “تجمع المكونات القومية و الطائفية بتشكيل الرئاسات الثلاث، نواة الحكومة الجديدة” و كل هذه الاشكال لاتعتمد على نتائج الانتخابات بشكل كبير.
هذه العوامل و الاشكال الحكومية نجحت مع السياسيين و الاحزاب و الكتل لكنها فشلت في ترضية الشارع العراقي الذي انتفض ضدها في تشرين عام 2019 وكسر هذه الدائرة المغلقة ليزيح حكومة عادل عبد الهدي و يختار حكومة مؤقته تسير الاعمال و تنظم انتخابات مبكرة انتهت نتائجها بخروج عدد من السياسيين و الاحزاب او اضعافها و دخول شخصيات و افكار جديدة للعملية السياسية، ادخلت “عوامل و شكل جديد لتشكيل الحكومة”.
من العوامل الجديدة هي “العودة الى الحضن العربي و ارتفاع الشعور الوطني و محاسبة الفاسدين والابتعاد عن الطائفية و القومية وتغليب مصالح العراق وغيرها”.
اما الشكل الحكومي الجديد هو “حكومة التوافقية الوطنية او الاغلبية الوطنية” التي تجمع كل المكونات القومية و الطائفية بتشكيل الرئاسات الثلاث بعيدا عن التوافقية و المحاصصة و الاغلبية السياسية، فالاغلبية الوطنية تعني ترشيح الكتلة الفائزة بالانتخابات شخصية رئيس الوزراء بدعم من كل الكتل من القوميات و الطوائف الاخرى وليس كما في السابق المكون القومي و الطائفي الواحد بكل كتله يرشح رئيس الوزراء، وتنطبق هذه الالية على باقي المناصب الكبيرة ايضا.
التوافقية الوطنية او حكومة الاغلبية الوطنية كما تسمى ليست واضحة المعالم والاجراءات الى حد الان، لانها فكر سياسي والية عمل حكومي جديد كليا، و كما يبدو ان رغبة الشارع العراقي “الذي اصبح مؤثرا جدا بالسياسة” و قادة الكتل الجديدة الفائزة “القوية بحضورها” والكتل القديمة “التي اُضعفت وتريد تقديم شيء جديد لجماهيرها” متفقون على فكرة “الاغلبية الوطنية” والتي تحمل في طياتها فرص سياسية جديدة لقادة الكتل الذين يسعون نحو تغيير جذري في الية عمل استمرت 19 عام انتجت ازمات محلية و مشاكل سياسية.
لكن وجود الرغبة من الشارع و القادة السياسيين لايعني نجاح حكومة الاغلبية الوطنية، لانها قادرة على فتح ملفات فساد كبيرة ومحاسبة مقصرين بل وتضعف شخصيات سياسية كانت خارج المسائلة القانونية، لذلك ستكون معارضة تشكيلها شرسة وعلى مستوى اقليمي، فايران مثلا “المؤثر الاول بسياسة العراق” تريد الحفاظ على الموالين لها اقوياء سياسيا في حكومة حتى لو كانت ضعيفة غير مستقرة، لكن حكومة قوية لاترضيها و من المؤكد انها ستحركهُم نحو معارضة حكومة “اغلبية وطنية”.
اذا يبقى اختيار شكل الحكومة القادمة بيد الكتل الفائزة و وعي قادتها بمتطلبات الشارع العراقي و المرحلة الحالية الذين عايشوا الاشكال الحكومية القديمة والتي احرقت كل السياسيين واشعلت الشارع العراقي.