من اهم العصور التي مرت على البشرية هو “عصر التنوير” ويسمى ايضا “عصر المنطق” فمن هذا العصر تغير تاريخ البشرية كاملا نظرا لانتشار الحركات الفكرية والثقافية و العلمية و المنطقية والتعليمية فتحول الانسان من الجهل والتخلف الى التعلم و المعرفة و تعليمها ونشرها.
و مع بداية القرن التاسع عشر توسع انتشار المعرفة بكل انواعها وبدأ المجتمع بالاستماع و البحث و القراءة للفلاسفة و المفكرين و العلماء اكثر من خلال إجراء اللقاءات العلمية في الأكاديميات والصالونات الأدبية والمقاهي وقد ساهمت المطبوعات بانواعها في نشر هذه المعلومات و الافكار فمن خلال الكتب المطبوعة والصحف والمنشورات والراديو و التلفزيون توسعت المعرفة و تنورت العقول اكثر.
واستمرت عصر التنوير او المنطق بالتطور لكن ضمن حدود معينة لم يستطع تجاوزها الا عند ظهور عصر جديد بوسائل جديدة اكثر فاعلية وتاثير و وصول وهو “عصر التنوير الالكتروني” حيث ارتبط بالانترنت كوسيلة تواصل و بالكومبيوتر و الاجهزة اللوحية و الهواتف كأدوات وصول الى المجتمع.
عصر التنوير الالكتروني والذي بحسب رايي واخرين بدأ تاثيرها بقوة منذ العام ٢٠١٠ حيث ادرك العالم وبشكل واسع كيفية التعامل مع خدمة الانترنت و وسائل التواصل الاجتماعي و الاجهزة الذكية و التي جميعا تطورت لتكون اكثر سرعة وتطور و قدرة على انجاز المهام، بالتالي اول نتائجها كانت انطلاق الثورات العربية التي اطاحت بانظمة حكم اعتمد اساليب القرون الوسطى في ادارة الدولة، وانعكست ايضا هذه التاثيرات بحركة نقد و تحرر و نشر كبيرة عالميا ظهرت من خلالها وثائق سرية و فيديوهات لاماكن نائية و معارف ومعلومات لم تكن معروفة و غيرها الكثير.
استمر التطور الالكتروني المرافق لعصر التنوير الالكتروني وقد اضيفت له خاصية قد تعتبر الاهم في هذا العصر وهي “الترجمة السريعة” والتي فتحت ابواب واسعة للمعرفة و العلوم و التواصل البشري، فلم تعد حواجز اللغة تخفي وراءها المعرفة بل انكشفت فصار الانسان من اي دولة قادر على معرفة كل شيء عن دولة اخرى دون الحاجة الى مساعدة او معرفة لغة، بالاضافة الى خصائص جمع المعلومات و ترتيبها و ارسال الاشعارات لمتابعتها.
ان مايميز هذا العصر هو انقلاب في حالة الوصول الى المعرفة فسابقا كان الفرد يذهب الى المكتبة للبحث عن العلوم او ان توضع الصحيفة في باب المنزل للاطلاع على احداث العالم او من خلال التلفزيون والراديو المرافقة لنا في السيارة او المنزل، لكن في عصر التنوير الالكتروني صار الهاتف و اللوحي ملاصق لنا ولا يمكن ان نتخلى عنه فهو الذي يطلع حتى على مؤشراتنا الحيوية ويظهر لنا نتائجها، واكثر من ذلك فهذه الاجهزة تقوم باعمال الية باعتماد الذكاء الاصطناعي لكي تخدمنا و تختصر لنا الكثير من المهام.
في عصر التنوير الالكتروني ومن وجهة نظري لم يعد للانسان حجة بانه لا يعلم و لايستطيع التعلم في اي مجال او تخصص او حتى من باب الاطلاع و الترفيه، فهذا العصر اختصر وجود المعاهد التعليمية وبدأ يزاحم الجامعات والمدارس حيث انتقلت اكثرها الى “الاون لاين” خاصة في فترة فايروس كورونا و اثبت التعليم عن بعد انه جيد وقاربت نتائجه التعليم الحضوري، بالاضافة الى وسائل الترفيه التي وفرها نافست السينما و التلفزيون والراديو وقد تكون الغت دورها لدى البعض، بالتالي لايمكن ان يبتعد الانسان عن المعرفة و العلم الا ان اراد هو ذلك، اي بأرادته، ففي هذا العصر ان اردت تعلم لغة او حرفة او فن او اردت تصليح شيء او صيانته كل ذلك ممكن عن طريق الهاتف و مواقع مثل يوتيوب و غيره، لو اردت ان تدخل في صالونات و منتديات ادبية ثقافية سياسية اقتصادية علمية في كل انحاء العالم ومن موقعك ممكن ذلك وبسهولة، اذا نحن في عصر التنوير الالكتروني قادرون ان نطور ذاتنا دون الاعتماد على احد او الاستماع من احد لكي يعطف علينا بمعلومة او معرفة.
في هذا العصر ستظهر القدرة البشرية الحقيقية لكل فرد في البحث و طلب العلم و المعرفة و الثقافة والاطلاع و المشاركة في كل مجالات الحياة، وسيكون كل مجتمع مسؤول بشكل كبير عن تثقيف نفسة و رفع مستوى معرفته العلمية والعملية وغيرها متجاوزا جهود الحكومات و انتاج التلفزيونات و الراديوهات المخصص لهذه المجالات، لان شبكات التواصل اكثر عمقا و وفرة و عمق في عرض كل ما يود الشخص الاطلاع عليه، لذلك في عصر التنوير الالكتروني لا مجال للتخلف الا اذا اراد الفرد او المجمتع ذلك.