عند تصفح قمر النايس ستات و العرب سات نلاحظ عدد كبير من القنوات العربية الغزيرة جدا بانتاجها الاعلامي في كافة الصعد الترفيه و الوثائقيات و البرامج و الاخبار بكل انواعها، كذلك في العراق عدد كبير من القنوات التلفزيونية تتيح محتواها بكل انواعه للجمهور، وتشترك كل القنوات العربية و العراقية بخاصية واحدة وهي “المجانية”.
مجانية الاعلام في دول العالم الثالث “وقد يكون في دول اخرى غير العالم الاول” صفة جيدة و غير جيدة في وقت واحد !.
فهي جيدة لصناعة جمهور داخلي يتعلق بالشاشات المحلية و يشاهد محتواها المحلي ويتاثر به و تؤثر هذه القنوات بالجمهور الداخلي خاصة بالقضايا المصيرية للدولة، كذلك هي مفيدة للتنمية والتثقيف و الترفيه و التعليم والكثير غير ذلك لرفع مستوى الجمهور الفكري و النفسي.
غير جيدة، لان كل ماذكر من محتوى اعلامي هو مكلف للمنتج “شركة او حكومة او افراد” و في كثير من الاحيان حجم الانتاج المالي لا يعوض مباشرة من الاعلانات او اي نوع من التمويل الا بعد مدة طويلة وقد لايكون التعويض مجدي “اي يصل الى نفس تكلفة الانتاج بعد مدة طويلة”، كما ان الاجور التشغيلية “اجور البث و تجديد التراخيص وفواتير الكهرباء و الماء و الايجار و صيانة المعدات والرواتب” تكلف ادارة القناة “شخص او شركة او حكومة” ارقام عالية وهي تستمر بالارتفاع بشكل دوري، بالتالي اكثر هذه القنوات تبدأ بالبحث عن ممول متمكن جدا “دول او سياسيين” او قد تكون حكومية لتصلها حزمة مالية من ميزانية الدولة او بمساهمة مختلطة “مالكها مدعوم حكوميا” هذه الحالات تؤثر على القنوات وتجعلها
١. غير مواكبة للتطور التقني “خاصة القنوات الحكومية او الخاصة ضعيفة التمويل”
٢. برامجها غير مؤثرة ولا تملك جمهور شديد المتابعة
٣. انتاج المحتوى الاعلامي فيها غير مربح
٤. قنوات متذبذبة “ترتفع وتتجدد مع التمويل وتتوقف عن ذلك مع انقطاع التمويل”
بالمقابل “الاعلام مدفوع الثمن” والذي لايمكن مشاهدة محتواه الا بعد دفع اجور مالية يحقق نقطتين هدفين مهمين
الاول: تاثير بالجمهور وخلق مشاهدين متمسكين بمحتوى القناة
الثاني: تحقق ارباح كبيرة من محتواها يدعم القناة و موظفيها ماليا
على سبيل المثال قناة بي بي سي “وقد زرتها في شارع ريجنت وسط لندن وكانت مبنى ضخم ومهيب بعدد هائل من الموظفين و الاقسام وكأنها خلية للنحل” ميزانيتها اكثر من ٣ مليار جنيه استرليني ماعدا الارباح الاخرى والتمويل الحكومي البالغ ٩٠ مليون جنيه استرليني “معظم التمويل ياتي من رسوم الاشتراكات السنوية تقطع من المواطنين والبالغة ١٥٩ جنيه استرليني” وقد انفقت عام بين عامي ٢٠ -٢١ على الأخبار ٣١٠ مليون جنيه إسترليني، تليها الأفلام الوثائقية والدراما ٢٨٩ مليون جنيه إسترليني اما هيئة الإذاعة البريطانية انفقت في الفنون والموسيقى ٣٠ مليون جنيه إسترليني، كذلك هو حال قناة سي ان ان الامريكية و بالنسبة للترفيه ناخذ “نيتفليكس” كمثال صافي ارباحه عام ٢٠٢١ “اي بعد دفع كل مستحقاته و اجوره وفواتيره” كان اكثر من ٥ مليار دولار، والكثير من الامثلة الاخرى على “نجاح الاعلام المدفوع” في صناعة
١. ارباح كبيرة
٢. تاثير عالي في الجمهور
٣. صناعة جمهور متابع بشدة
٤. استمرار التطور و المنافسة
٥. توسع وتطور كبير على كل الصعد في الاعلام المدفوع
لماذا لا يكون اعلامنا مدفوع !
واحدة من الاسئلة الجوهرية لماذا لا يكون الاعلام في العراق و الدول العربية مدفوع “مثال الاردن تستقطع ماقيمته دينار و نصف ضريبة تلفزيون تذهب الى تطوير القرى و الارياف وهي خطوة سباقة في عالمنا العربي”، الدفع مقابل الاعلام سيولد جمهور متابع شديد التمسك بما ينتجه اعلامنا وسيكون الاعلام منافس بشدة لان تمويله مستمر و انتاجه متطور و تقنياته مواكبة للحداثة “ترافق فرض اجور على المواطن لكي تحول الى دعم الاعلام تشريعات وقوانين لضبط التمويل و العمل الاعلامي” والاهم ان من يشعر انه ليس متابع لقضايا السياسة و الاخبار لن يدفع للحصول على بث بل سيستقبل الاخبار من البرامج الاخبارية على الهاتف، وكذل متابعو المسلسلات لن يتابعوا اي انتاج فني اذا لم يكن على قدر من الاهمية و الاستحقاق للمتابعة و ايمان المشاهد ان هذا الانتاج يستحق الدفع للمشاهدة.
دور اتحاد الاذاعات و التلفزيونات العربي
تجدر الاشارة الى ان الدول المتقدمة تمنع خدمة الصحن الفضائي دون فرض اجور عالية جدا يذهب جزء منها الى القنوات ايضا، بالتالي يجب فرض رسوم على استقبال البث الخارجي او منعه بالمقابل وقبل اصدار هكذا قرار يجب ارتقاء القنوات الى مستوى التنافسية مع القنوات العربية، اذا بعد الارتقاء تتم العودة الى الاتحاد لوضع قوانين و تشريعات تمنع بث القنوات الاخرى الى داخل البلاد لكي لا تكون منافسة او بديلة للقنوات المحلية المدفوعة بالتالي تفشل القنوات المحلية في المنافسة، ان هكذا اجراء وان كان يبدو “تعسفي” لكنه منتشر في الدول المتقدمة لكي تدعم اعلامها الداخلي و تجعله منافس على المستوى الدولي.
الخلاصة تكون في ان الاعلام المجاني كان ولايزال واظن انه سيبقى محدود لانه ينتج وينشر دون مقابل معتمدا على دعم مالي ضعيف وجمهور غير متمسك به، بالمقابل الاعلام المدفوع يتقدم و يتوسع و يكسب جمهور كبير شديد التمسك بمحتواه مستعد لدعمه باجور مالية لكي يستمر بالمشاهدة، هذا الفرق الجوهري يبقي اعلام الدول المتقدمة متفوق على اعلامنا العربي و المحلي.