انتهت مشاعر الاشتياق في زمن برامج التواصل

في كل زمن هناك مشاعر تولد و اخرى تختفي بسبب الظروف التي نعيشها، فقبل ٢٠ عام فقط كان لدينا شعور الاشتياق للاخرين من اهلنا و اصدقاءنا و اصحابنا، وكان شعور رائع ان تلقاهم و تتحدث معهم عن الاحداث التي عاشوها و عشتها انت، وعن المواقف الصعبة و الطريفة و عن اخبارهم وغير ذلك، لكن في هذه الايام لم يعد شعورا لاشتياق كما هو في السابق بسبب وسائل التواصل.

اوكسفورد لندن و سلطنة عمان

اثناء سيري في شارع اوكسفورد وسط لندن رن هاتفي و اذا بالصديقة العزيزة الاعلامية لميس الكعبي تتصل بي، رفعت الهاتف و تحدثنا عن عمل صحفي واعلامي صوتيا و فيديويا و ارسلت لها فديوهات من مايحيط يحط بي في الشارع وهي ايضا و ارسلت لي صور عن العمل الصحفي وارسلت لها رسائل صوتية، وخلال ٣٠ دقيقة فقط تحدثنا وشاهدنا بعضنا و تبادلنا صور عن العمل و ارشادات و نصائح كأننا نجلس في مقهى او مكتب عمل، وان مسافة ٥٨٣٥ كلم بيننا اختفت تماما، حتى اننا تحدثنا بعدها عدة مرات لايام وكان الشعور ان المسافات ذابت وطريقة الحديث كأننا نلتقي يوميا، نفس الامر مع عائلتي التي تسكن في الولايات المتحدة فعندما اتصل بهم باستخدام الصوت والصورة و الفيديو اشعر انهم قريبون جدا بل ان زيارتي لهم من “بريطانيا لندن الى امريكا كاليفورنيا وتحديدا سان دييغو” لا فرق فيه الا بحضوري معهم اما اخبارهم و احوالهم و كل شيء اخر انا اعرفه جيدا وبشكل شبه يومي.

مجموعات فيديو وتواصل

وسائل التواصل الاجتماعي لم تقض على شعور الاشتياق بين الافراد بل حتى بين المجموعات ففي السابق كان من الرائع ان تجتمع مع الاصدقاء في المنطقة او المقهى لتذكر الاحداث و المواقف و ان تستمع بالطرائف والاحاديث التي تكون جميلة بوجود الاصدقاء، وسائل التواصل وفرت خاصية الاجتماع الفيديوي و مجموعات التواصل مثل “مجموعات واتس اب و فيس بك ماسنجر، و تليغرام وغيرها” للتواصل و الحديث فانتقلت نفس التجمعات السابقة مع الاصدقاء او الاقارب الى عالم التواصل الاجتماعي، لتختفي حاجة اللقاء في مكان وزمان محدد، بالاضافة الى ان التزامات و صعوبات الحياة و العمل في دول اخرى فرضت نفسها بقوة، بالتالي صار اللقاء عبر وسائل التواصل افضل و اسرع و اسهل من اللقاء الحقيقي.

اسلوب جديد من التواصل

بسبب سهولة التواصل مع اي شخص في اي مكان في العالم ظهرت طريقة جديدة للتواصل وهي الحديث المباشر “بدون سلام او مقدمات” خاصة مع الاصدقاء المقربين او الاهل، حيث كثيرا ما اشاهد و “انا عشته ايضا” ان المحادثة تبدأ مباشرة دون سلام فالدخول للموضوع اصبح مباشر لان الاصدقاء البعيدين والغائبين اصبحوا قريبين متواجدين دوما وفي اي وقت يمكن الحديث معهم فلم يعد من المجدي ان نسلم عليهم او نسأل عن احوالهم فهي معروفة و مكشوفه.

ذكريات الكترونية

مع اتجاه الافراد الى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير فاق التوقعات ولد هذا الاستخدام ذكريات جديدة وهي “الذكريات الالكترونية” والتي نجدها في المحادثات السابقة “بالصوت والصورة و الكتابة و الفيديو”، بل ان انها تجمعت لتغطي عام او عامين من الحوار بين الافراد “شخص لشخص” او مع المجموعات “مجموعات حوار” فصار الفرد اذا اراد تذكر شيء او عيش شعور لذكرى سابقة يعود الى وسائل التواصل الاجتماعي ليتذكر ويعيش الذكرى بشكل اكبر من الذكريات الملموسة والتي كنا نحتفظ بها من اشخاص قريبين علينا كالصور و الساعات و غيرها، هذه الذكريات اصبحت جامدة مفرغة من الشعور والعودة اليها ليست بالسهلة فبعضها يتعرض للتلف او الضياع او صعوبة النقل بالتالي يمكن القول ان وسائل التواصل الاجتماعي قضت على الذكرى الملموسة ايضا.

ومن الغرائب التي لا اعرف مايمكن تسميتها ان وسائل التواصل الاجتماعي وفرت ذكريات اكثر “تاثير و دفئ و مشاعر” من الواقعية المتمثلة “بالهدايا او الساعات او الرسائل الورقية وغيرها”، وهذ النوع من الذكريات هو “تذكرى الذين فارقونا” فشخصيا شاهدت عدد من الاصدقاء يحتفظ بمحادثات مع والده او والدته او اخوه او صديقة او اي شخص مقرب بالصوت و الصورة و الكتابة يعود اليها كلما اشتاق لهم !، فوفرت وسائل التواصل القدرة على سماع صوت من توفي وكتاباته و صورته السابقة لتثير المشاعر داخلنا، على العكس من اهلنا الذين فقدوا اعزائهم ولا يملكون غير ذكريات ملموسة منهم.

وداعا لمشاعر الماضي

من المؤكد ان تقدم الزمن و توفر وسائل التواصل ولدت نوع جديد من المشاعر هي “الغائب مكانيا و الحاضر الكترونيا” والتي نعيشها اليوم وقد تعودنا على هذه المشاعر فصار الكثيرون يفضلون المراسلة و الاتصال بالصوت و الصورة او المراسلة الصوتية على اللقاءات في الوقع فقضت بذلك على الاشتياق السابق المبني على البعد والرغبة باللقاء ليصبح التواصل الاجتماعي الالكتروني سيد الموقف و المشاعر.

مع الاعلامية لميس الكعبي عام 2019
مع ‏الإعلامية لميس الكعبي عام 2020
‏مع الإعلامية لميس الكعبي عام 2021

الإعلان

نُشر بواسطة husamaltaee

News anchor and a presenter in Television

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: