قياسات صفات الشرف و الوطنية في كل العالم فيها خطوط عامة واضحة وثابتة ولا نقاش عليها اجتماعيا وهي التي تحكم عمل السياسيين في البلد وتحدد سمعتهم امام المجتمع ان كان سياسي شريف وطني يستحق ان يحصل على منصب سياسي لقيادة البلد او الحكومة او الوزارة نحو التقدم و الازدهار او ان كان لا يستحق ذلك لانه غير شريف “سارق، كاذب او غيرها من الصفات” وغير وطني اي “عميل لدولة اخرى، يمارس سياسات تدمير بلاده لحساب دولة اخرى وماشابه ذلك” من صفات تحدد الخط الفاصل بين النوعين من السياسيين.
لكن في العراق يسير ” الحق و الباطل” متعانقان متقاربان في خط واحد وليسا متعاكسان، وهو الامر العجيب و قد لايكون له شبيه في العالم اجمع، فصفات الشرف و غير الشرف و الوطنية و غير الوطنية واضحة للمجتمع و واضحة للطبقة السياسية لكن الناظرين يعتبرون هذا شيء طبيعي ان يكون الانسان شريف و غير شريف وطني وغير وطني في ان واحد.
فمن خلال عملي في الاعلام كمذيع للاخبار لعقد من الزمن، شاهدت بشكل واضح وصريح و المجتمع ايضا فساد بعض من الطبقة السياسية و هو فساد “الشرف” بكل ما يحمله من معاني و فساد “الوطنية” بكل ماتحملة من معاني على راسها الخيانة و التبعية و العمالة للقسم على القرأن و للوطن و الشعب وبالادلة بكل انواعها “فيديو، صور، صوت، وثائق، تأريخ سابق للشخصية، تزوير، قرارات قضائية” كل انواع الادلة ولكن في نهاية المطاف تبقى هذه الطبقة او الشخصيات على راس السلطة و هي تتمتع بكامل حقوقها القانونية وتمارس الحكومي وحياتها العامة بكل اريحية!.
وخلال هذا العقد لاحظت ان طبقة من المجتمع العراقي تعتبر ان “انعدام الشرف و الوطنية” امر طبيعي و مقبول في حال ان هذا المسؤول او السياسي كان يعمل على قضية صغيرة او على مشروع متوسط بشكل جيد !. بمعنى ” هو صحيح سارق لكن يعمل جيدا لمحافظته !” وهنا قمة في التناقض و الازدواجية و الغرابة و العجب في عقل هذه الشخصيات او الطبقات المجتمعية التي تؤمن بهذا القول وتقوله و تتسامح معه.
ومن الامثلة على اختلاط الحق و الباطل واختلاط المعايير و اختلاط الصح و الخطا هي “ان يكون رئيس وزراء العراق لكنه يعمل من اجل دولة اخرى ضد بلده بنفس الوقت هناك من ينتخبه ويؤيد طروحاته لانه من الطائفة الفلانية فقط ! او لانه يوزع رواتب لفئة معينة اعلى من استحقاقها، او هو رجل دين لكن عليه تهم فساد مالي واداري واختلاس لاراض و املاك لكن هو “وطني يحب العراق” او انه مناضل ضد الدكتاتورية لكنه طائفي وعائلته تستغل الوزارة بشكل كامل او هو مطالب بحقوق الفئة المذهبية او المناطقية التابعة لها ويقاتل من اجلهم ومن اجل مصالحهم لكنه متشبث بالسلطة ويحول اموال الى الخارج و يشتري املاك في اوروبا”
من هذه الامثلة يتبين لنا ان البعض من المجتمع يرضى بان يكون السياسي عميل خائن لكنه يعمل جيدا في وزارة او مشروع، او ان يكون طائفي سارق للمال العام لكنه حازم بالقرارات المتعلقة بالحكومة او الوزارة، هذه المتناقضات كيف يمكن ان تكون في انسان وكيف يمكن ان يتقبلها جزء من المجتمع و يعتبر هذه الشخصية قائدة له وهم يعلمون انه عميل سارق لكنه يدعمهم ويساعدهم !.
بالتحليل الاجتماعي، هذه الطبقات التي ترضى بهكذا تناقضات ان توفر لها خدمة بمقابل سرقات و عمالة للمال العام و الوطن اما ان تكون هذه الطبقات فقيرة جدا لها استعداد ان تبيع رايها وصوتها الانتخابي من اجل خط كهرباء او توفير مياه، او من طبقات متخلفة جدا لا يفرق عندها شيء ان كان العراق بلد ام كان جزء من بلد اخر او اختفى اصلا المهم ان المحيط الداخلي لمنازلهم امن ومن بعد الباب الخارجي فاليكن الطوفان، والا كيف يمكن لشخص كبير وواع ان ينتخب و يرضى ان يكون مرؤوسه “لص خائن عميل تبعي غير شريف غير وطني”.
عالميا كانت هناك طبقة او فئة سياسية فاسدة جدا في الدول التي تحولت الى الديموقراطية لكنهم لم يستمروا كثيرا و تم القضاء عليهم من قبل الشعب بالانتخابات او بالمحاسبة القضائية او برفع الحصانة، واقرب الامثلة كانت الجزائر فعندما اقيل الرئيس بوتفليقة تم اعتقال مجموعة من المحيطين به من ضمنهم اخوه الذي اتهم من قبل السلطات بعدة قضايا قانونية، اما في العراق فهو تحت غطاء السياسية او المنصب او خارجها فهو مصون محصن من اي ملاحقة حتى لو كانت جنائية !، ومثال على ذلك رئيس وزراء واحدة من الحكومات متهم بقتل متظاهري تشرين واخر قائد عسكري متهم باستخدام الرصاص الحي ضد متظاهرين عزل وقتلهم، لكن بعد انقضاء عزله عن السلطة لم يلاحق وان كان “غير شريف و غير وطني وعميل وقاتل لشباب العراق” الامر عادي امام جميع السلطات و امام بعض طبقات المجتمع التي تدعمه و كتلته المشاركة بالانتخابات و التي تفوز بشكل او باخر.
بالمحصلة لا اعرف ان كان اختلاط الحق و الباطل او الشرف و الوطنية مع انعدامها امر طبيقي في هذا الزمن لكن ستبقى هذه المعادلة تنتج للحكومة و الشعب طبقة سياسية فاسدة عميلة قاتلة ومتسلطة على رقاب الشعب الذي تغاضى