لطالما كانت القراءة رفيقة الانسان بمراحل كثيرة لكنها مثل كل شيء بالحياة لها بداية و نهاية
ففي بداية عصر الوعي الانساني كان التركيز على الاستماع للحصول على العلم و المعرفة العامة و التعلم لان التعليم لم يكن متاح و القراءة كانت محصورة بنخبة محدودة جدا.
مع تطور الزمن وتوسع البشرية و تاسيس ممالك صغيرة و دول صارت القراءة اكثر انتشارا لمجموعة اوسع مسؤولة عن مراسلات القصور و الملوك و كتابة القوانين و غيرها، لكن استمرت ضمن نطاق ضيق.
بظهور الطباعة تحولت القراءة الى حاجة بشرية خاصة مع بدء وفرة الكتب بسرعة و اقل تكلفة و اكثر عدد، الامر الذي شجع العامة على التوجه للقراءة بشكل طوعي وليس الزامي لكن مع ذلك توسعت شريحة القراء.
من نهايات القرن التاسع عشر و منتصف القرن العشرين كانت الطباعة قد تطورت وظهرت اساليب الطباعة الكمية باسعار رخيصة جدا و ادوات متاحة للجميع، ترافقها تطور الصحف شكلا و مضمونا و التي صارت مصدر الثقافة والعلم و التعلم الاول بل تفوقت في مراحل على المدارس، فالمواطن بدا بالتعلم و القراءة من الصحيفة التي توفر مواضيع منوعة شيقة اكثر متعة من المدارس، بالاضافة الى شكل الصحيفة و الصور و الالوان المستخدمة هذه العوامل جعلت القراءة ( هواية و اسلوب حياة و رمز للثقافة و مصدر للمعلومات )، و ان شاهدنا صور الستينات و السبعينات ومابعدها نلاحظ ان المثقفين يجلسون في المقاهي و يشربون القهوة الساخنة و يدخنون السيجارة و يقرؤون الصحيفة.
مع بدايات عام ٢٠١٠ تقريبا كانت القراءة الالكترونية قد اكتسحت الساحة و انحسرت الصحف و افلست المؤسسات الصحفية بل صارت تكافح لكي توفر سداد فواتيرها و رواتب موظفيها، و في النهاية وجدت التحول الى القراءة الالكترونية التي توفر الوقت و الجهد و المصاريف مقارنة بالورق بالاضافة الى خصائص اخرى جذبت العامة التي تركت القراءة الورقية بشكل كبير.
نهاية اهم انجازات البشرية منذ ٥ الاف سنة
القراءة بدات عام ٣٢٠٠ قبل الميلاد على يد السومريين و استمرت حتى يومنا هذا اي ٥ الاف سنة و مئتي عام تقريبا، و هي من اهم انجازات البشرية التي بدات بالانقراض بسبب دخول عنصرين جديدين لم يكونا حاضرين في تاريخ البشرية، انهما المشاهدة و الاستماع.
المشاهدة و الاستماع هي اسهل طرق التعلم و اكثرها متعة و تاثير و تذكر، فاكثر ذكرياتنا هي منظورة او مبنية على صوت بقي اثره بالروح و العقل، و كما يقول المثل “الصورة بالف كلمة”، بالتالي وفرة الصورة و الفيديو و الصوت اخذت موقع القراءة.
من خصائص الصورة و الصوت هي
سهولة الوصول فصورة الرجل لا تحتاج الى وصف، كما ان الصوت الذي يشرح عن الشجرة او التفاحة اكثر فهما من كتابة ذلك.
الصورة و الصوت لا تحتاج الى رموز لتعلمها مثل الاحرف، فهي مفهومة طبيعيا دون اي جهد.
الصورة و الصوت اكثر قربا من الحقيقة و لايمكن تزويرها او الجدل بها مثل النصوص المكتوبة، ورغم الجدل في ذلك الا ان الصورة و الصوت مازالت هي الاكثر موثوقية لدى البشرية.
١- وسائل دعم الصورة و الصوت
٢- كانت القراءة تعتمد على الطباعة الورقية و بعدها الالكترونية، اما الصورة والصوت تعتمد على
٣- خدمة الانترنت.
٤- الهواتف النقالة و اللوحيات.
٥- منصات التواصل المختصة بالصور و الفيديوهات القصيرة و الطويلة.
٦- منصات التواصل المدفوعة التي تقدم محتوى عملي مميز و موثوق.
٧- خدمة البودكاست الصوتية و الفيديوية.
٨- التلفزيون و الراديو.
٩- الذكاء الاصطناعي الذي يختصر النصوص و يقرأها.
هذه الوسائل جعلت البشرية تترك القراءة و تتجه نحو المشاهدة و الاستماع فمثلا ان اردت ان تقرا تاريخ الحضارة السومرية تتجه الى اليوتيوب لتشاهد وثائقيات من قنوات موثوقة، تقدم لك خلال ساعة مايقدمه كتاب يحتاج الى ١٠ ساعات من القراءة و التفرغ، كما ان المشاهدة اكثر سهولة من القراءة و عرض الصور و الفيديوهات اكثر تاثير من الاحرف و الكلمات، ايضا يمكن خلال المشاهدة تناول الطعام و الشراب و هذا الامر صعب نوعا ما مع القراءة التي تحتاج الى تركيز عالٍ.
ايضا يمكن مشاهدة خلاصة قصيرة عن طريق التيك توك او الانستغرام او غيرها عن الحضارة السومرية توفر ما نريد الاطلاع عليه بسرعة وسهولة.
كما ان خدمة البودكاست الصوتية توفر نفس الخدمات، والاهم ان حتى المواقع التي تقدم معلومات مكتوبة مثل “وكيبيديا” او اي موقع اخر، يمكن تحديد النص و جعل الموقع يقرأه بصوت الي دون الحاجة الى قراءة صفحات طويلة.
المشاهدة و الاستماع بديلا عن القراءة
ليس غريبا ان نسمع ان دور الطباعة و الصحف تخسر و تغلق ابوابها، لان اسلوب التعلم والاطلاع و التثقيف الذي كان سائدا في العصور السابقة المبني على القراءة قد تغير، ففي العصور ساحقة القدم كان الاستماع مصدر تعلم حيث يروي المعلم الرواية للطلبة، بعدها صارت القراءة مصدر التعلم، اليوم نقول ان المشاهدة و الاستماع يقودان كفة التعلم و الاطلاع بدلا من القراءة التي تتجه نحو التقاعد و الاندثار.
نهاية مأساوية للقراءة
اعتقد ان ١٠ سنوات من الان كفيلة بان تحول القراءة من اساس مهم الى شيء نتعلمه و نتركه جانبا مثل قيادة الدراجة الهوائية او السباحة وغيرها من مهارات ليست اساسية في حياتنا، الجيل القادم يستطيع القراءة لكنه يعتمد بنسبة ٩٩٪ على المشاهدة و الاستماع في التعلم و الاطلاع و التثقيف و غيرها، الخلاصة ستودع البشرية القراءة بعد اكثر من ٥ الاف عام على استخدامها و تطورها و الاعتماد عليها.
نعم الكثير من العادات الانسانية والمهارات تتاثر بهذا التطور الهائل المتسارع بعضها الايجابي والاخر سلبي لكن اعتقد ان تطور وسائل التعلم و مصادر المعلومات والمعرفة ليس له انعكاس قوي على ثقافة و وعي الناس وحتى اسلوب حياتهم بالشكل الكافي على ارض الواقع
المتعة الالكترونية يصاحبها شلل ذهني وتنفيذي لكثير من المتلقين لانها تغمر الانسان بكم هائل من الافكار والاحاسيس والتجارب الامر الذي يصبح مشوش للشخص وتغريه بمتابعة المزيد بدون شبع وليس التوقف عند مرحلة وممارسة الافكار والمعلومات التي اطلع عليها واقعيا في هذا التصفح والاطلاع الواسع
يبقى سجين الامتاع الذهني بدون تنفيذ لكن مع كل ذلك تبقى هي ثورة علمية عظيمة لمن يحسن استغلالها بالشكل الصحيح
إعجابLiked by 1 person
اتفق مع ما تفضلت و اعتقد مع مرور الوقت سيتمكن الفرد من التحكم بمشاعره و متعته من المشاهدات السطحية الى التعمق بالمعلومات وقد يكون هذا ما حدث مع المجتمعات الغربية التي توازن بين المتعة و الانجاز العلمي
إعجابإعجاب