ايجاد العمل و البقاء لفترة طويلة و النجاح الذي يحققه الاعلامي او الاعلامية يعتمد على عدد من العوامل اهمها “اخلاقيات العمل داخل المؤسسات الاعلامية” وهي المادة التي لا تدرس في الجامعات ولا يتم تعليمها من قبل المخضرمين في المهنة لمن يود العمل داخل المؤسسات الاعلامية اطلاقا رغم اهميتها.
وقد يفكر البعض بانها الاخلاقيات التي ندرسها عن مهنة الاعلام و تطبيقه لكنها العكس تماما هي “كيف اتصرف داخل المؤسسة الاعلامية مع الموظفين” وهنا بيت القصيد واهم الاسباب في بقاء ونجاح الموظف الجديد.
فالعمل في مؤسسة اعلامية للموظفين الجدد او القادمين من مؤسسات اخرى يتطلب
اولا: المؤثرون واصحاب القرار: معرفة الاشخاص المؤثرين في المؤسسة اي الذين لهم علاقات بالادارة و مصادر القرار وتقييم الموظفين و الاداء و الموافقة على التعيينات، هؤلاء يجب عدم الاصطدام معهم اطلاقا بالنسبة للموظف الجديد او القادم من مؤسسة اخرى حديثا، و السبب لان مركزهم و تاثيرهم في المؤسسة قوي جدا ويستطيعون التاثير على مسيرة الموظف في حال حدوث مشكله معهم قد تؤدي اما الى عدم تقدمه في العمل او الى انهاء خدماته سريعا، وهذا الامر يقطع المسيرة العملية للموظف او قد يجعل من ذهابه الى المؤسسة الاعلامية بمثابة الذهاب الى منطقة صراع، لذلك هؤلاء الاشخاص المؤثرين داخل المؤسسة يفضل عدم الاصطدام معهم بل التعرف عليهم و كسبهم كاصدقاء، وهنا القصد ليس بالتملق الذي يفقد الانسان شخصيته بل وحتى الذين يتملق لهم لا يردون له الاحترام كثيرا، لكن تحويل العلاقة الى صداقة حقيقية مبنية على النقاش الايجابي و المزح احيانا و اللقاء خارج اوقات الدوام و التواصل الدائم.
ثانيا: العلاقة الايجابية مع الموظفين: يجب على الموظف الجديد ان يطور ويحافظ و يصنع علاقة ايجابية مع كل الموظفين داخل المؤسسة وخاصة الذين يعمل معهم بشكل مباشر و يومي، لانهم سيكونون داعمين له في تعلم المهنة و بناء الخبرات او في دعمه في حال حدوث خطا ما اثناء العمل، وهنا اكرر ما قلته مسبقا ليس التملق للجميع بل بناء العلاقة الطيبة والتي تتم عن طريق ” الغداء مع الموظفين سويا او الجلوس لشرب الشاي و القهوة، السلام الحار و السؤال عن الاخرين، ارسال المعايدات و التهاني في المناسبات، دعوة الموظفين للغداء او الفطور وغيرها” ستكسب الكثير من قلوب الموظفين و الذين سيكونون داعمين لك كثيرا ليس فقط في داخل المؤسسة بل في خارجها لان بعضهم قد ينتقل للعمل في مؤسسات اخرى، وهنا قد تحتاج في يوم للذهاب الى هذه المؤسسة للتقديم على عمل، فالتواصل مع شخص من الداخل تعرفه و يعرفك و لك معه علاقة ايجابية وليست علاقة تملك ام مهم ليسهل عليك عملية التوظيف، اضافة الى انك كلما تعرفت على شخصيات اكثر كلما ازدادت فرص عملك اكثر.
ثالثا: تجاوز النظريات التعليمية: من اكثر الصدمات التي يواجهها الموظفين الجدد القادمين من الجامعات هو الفرق الكبير بين ما درسوه وبين العمل الواقعي في المؤسسات الاعلامية، فالواقع الاعلامي يختلف بنسبة كبيرة عن المثاليات في التعليم فقد تضطر بعض المؤسسات الى ان تضخم مواضيع اكبر من حجمها والى ان تركز على جانب اكثر من باقي الجوانب والى ان تعتمد على مصادر موثوقة لكن ليس بنسبة عالية، ان تتغاضى عن بعض الاخبار التي قد تسبب مشاكل كبيرة، ان تغير بعض الكلمات القاسية او الحادة داخل تصريحات لمسؤولين وغيرها الكثير” لكي تكون مؤثرا و مقبولا عند الجمهور، و الذي هو جمهور متنوع صعب الارضاء، بالتالي لايمكن ممارسة المثاليات الاعلامية في السوق الاعلامية وهذا لا يعني انها مجرد تطيرات لا قيمة لها بالعكس التعليم دائما يعطي الحالة المثالية الصحيحة، اما السوق فيعطي الحاجة الفعلية الحالية و الحاجات الجماهيرية هي التي تحدد مقدار الصح و الخطا في الرسالة الاعلامية.
رابعا: التعاون و العمل في كل المجالات: وهذه من اهم نقاط البقاء و التعلم المستمر داخل المؤسسة الاعلامية و هي ان تكون في بدايتك مشارك في اي عمل يطلب منك دون اظهار الامتعاض او محاولة التملص او المقارنة مع موظفين اخرين وغيرها، حاول التعلم دائما من قسمك او من اقسام اخرى، اجعل وقتك في البداية للتعلم و العمل المستمر حتى بعد انتهاء عملك ان تطلب الامر البقاء دون الملل لان المؤسسات الاعلامية عند تعيينها لموظف جديد او قادم من مؤسسة اخرى يتم اختباره بشكل مستمر لمعرفة شخصيته هل هو سلبي بالعمل ايجابي لديه روح الفريق مرن ام متصلب يعمل باتجاه واحد، هذه العوامل تساهم في بناء صورة الموظف الذهنية في عقل الادارة.
خامسا: الثرثرة و الجلسات التدخين: قد تكون اجمل ما في العمل للبعض هي الجلوس للتدخين و الثرثرة و استماع الحكايات عن هذا وذاك و التي بقدر ما تكون طريفة و مضحكة بقدر ما تكون خطيرة جدا على المستقبل المهني للموظف الجديد فيفضل دائما الابتعاد عن الثرثرة مع الموظفين القدامى الذين يعرفون كيف يحمون انفسهم عن وقوع المشكلة لكن الموظف الحديث و الذي لا يملك “ظهر يسنده” سيقع ضحية هذه الجلسات التي تنهي مسيرته المهنية، فلا مانع من الجلوس مع الموظفين لكن ليس لوقت طويل لكي لا تصل فكرة الى الادارة عن ان الموظف الجديد ناقل للكلام مستمع للثرثرة يضيع الكثير من الوقت في التدخين و الجلوس مع كل من هب و دب للثرثرة و نقل الكلام، فمع اول ثرثرة حول هذا و ذاك يمكنك الانسحاب الى عملك لكي تظهر للجميع انك محايد ولا تحب ان تشارك في حوارات عن هذا و ذاك.
سادسا: انتقاد المؤسسة و موظفيها: بدايات المسيرة العملية في اكثر الاحيان تكون مع المؤسسات الصغيرة التي لا تملك موارد مالية او قدرات اعلامية كبيرة ولا حتى تنظيم اداري واضح، وكثيرا ما تعاني هذه المؤسسات الصغيرة من مشاكل قد تكون بعضها طريفة وهي فرصة لانتقاد و الضحك، لكن كموظف جديد يفضل عدم الانتقاد امام الموظفين او حتى الاصدقاء خارج المؤسسة ” الذين قد تكون لهم علاقات مع الموظفين في الداخل” ولا هذا الامر يشمل انتقاد المؤسسة و موظفيها، فقد تشاهد الموظفين القدامى ينتقدون بعضهم وان هناك جماعات تقف بالضد من جماعات و تنتقدها لكن حاول ان تقف دوما على الحياد و ان تبتعد ع النقد ان كان من قبل اشخاص او انت تقوم انت بالانتقاد، فالبداية مع مؤسسات صغيرة يعني ان تشاهد الكثير من الاخطاء او عدم وضوع العمل بالتالي عليك تقبلها و العمل على تطوير مهارتك للانتقال الى مؤسسة اخرى اكبر.
سابعا: الالتزام بوقت الدوام و المظهر الخارجي: يجب ان ينتبه الموظفون الجدد دوما الى الحضور المبكر الى الدوام وحساب ذلك مسبقا لكي لا تؤثر الازدحامات او اغلاق الطرق على دوامك و احراجك في التاخر بالحضور، يجب حساب الطريق و وسائل النقل و غيرها لكي لا تسجل على نفسك تاخير بالحضور مهما كان السبب، كذلك ان تكون انيق دوما لتكون جاذب للنظر بين الموظفين و دليل على الالتزام وحب العمل، لاني شخصيا شاهدت خلال عملي في عدد من المؤسسات موظفين غير ملتزمين بالوقت و الاناقة وكانت مؤشراتهم سلبية دوما امام الادارة التي وضعتهم على راس قائمة انهاء الخدمات وعند اول فرصة انهت خدماتهم، وهنا الاناقة لا اقصد بها الملابس غالية الثمن من شركات عالمية، بل الاناقة هي تنسيق الالوان بما هو عصري و شبابي و راقي.
بالختام اود القول ان معرفة اخلاقيات العمل في المؤسسات الاعلامية كانت سبب رئيسي من وجهة نظري الى بقاء و انهاء خدمات عدد كبير من الاعلاميين الذين عاصرتهم من الذين كانوا غير مدركين لكثير من التصرفات التي انهت مسيرتهم في وقت كانوا يتربعون على قمة الشهرة و الاداء و الدخل المادي وكذلك كانت سبب رئيسي في استبدال عدد كبير من موظفين جدد لم يعرفوا ان المؤسسة هلي مكان للعمل وليس نادي اجتماعي للثرثرة و التدخين، كلا المثالين انتهى بهم المطاف الى العمل في مجالات اقل بكثير مما كانوا يتوقعوه ومما كنت انا اتوقعه حولهم، لذلك وجب التنبيه حول هذه الاخلاقيات.