تاريخيا كان المسرح افضل وسيلة للتسلية والتثقيف و التاثير الايجابي والانتقاد للسلطة وقراراتها كما كان المسرح افضل مكان لتجمع الطبقة المثقفة التي تغير المجتمعات نحو الافضل وايضا تجمع للباحثين عن الكوميديا الراقية، كما ان ممثلي المسرح لطالما امتلكوا كاريزما التاثير بالجمهور لان تواصلهم معه يكون مباشر على خشبة المسرح وليس من خلف الكاميرا بالتالي يشاهدون رد فعل الجمهور تجاههم، بالمحصلة هو منبر محترم للتاثير بالعقول ثقافيا و علميا و اجتماعيا.
اما في العراق فالمسرح انحدر بسرعة نحو الهاوية السحيقة فاستبدل كل الواجبات و الاهداف الثقافية و العلمية و التوعوية و الترفيهية الموجودة في اغلب دول العالم استبدلها بنشر التخلف و انعدام الثقافة و الكوميديا السوداء والتنمر و عدم الاحترام و الارتقاء وغيرها الكثير من الصفات السلبية التي تنطبق على المسرح العراقي الحالي و الذي يسمى “المسرح التجاري” حيث صارت خشبة المسرح تباع لكل من هب و دب يستطيع من خلالها ان يقدم مايسمى ” تهريج ” بعيد عن الهزل و الكوميديا، ويمكن تلخيص الكوارث في المسرح العراقي في عدد من النقاط منها
اولا: مهرجو السوشل ميديا: الكارثة الاكبر التي حلت بالمسرح هو انتقال بعض شخصيات السوشل ميديا الى المسرح لانهم يقدمون ” تهريج ” غريب مبتذل حصل على مشاهدات عالية و تعليقات كثيرة ” ولا ينظر الى هذه التعليقات ان كانت سلبية او ايجابية ” بل يتم النظر الى الرقم فقط فينتقلون الى المسرح ليقدموا نفس هذا التهريج.
ثانيا: اختلاط الفنان والفن الاصيل بالمهرج المبتذل: كارثة اخرى اضافها المسرح العراقي وهو ان يساوي بين ممثلين لهم تاريخ طويل وفنانين حقيقيين يقدمون فن التمثيل مع مهرجين من السوشل ميديا بالتالي هو اهانة للمثلين الحقيقيين القدامى وتقليل من فنهم الذي يقدمهوه، لان ادارة حوار فني حقيقي بين فنان و مهرج لايمكن ان ينجح، من جهة اخرى المهرج لا يستطيع ان يجاري الفنان بالتمثيل والحوار لذلك يميل الى التهريج اكثر كمحاولة للوصول الى مايقدمه الفنان الحقيقي من اداء وهنا تظر فجوة كبيرة بين الادائين تظهر جليا للجمهور.
ثالثا: النص المسرحي الهابط: وهو عامل اخر مدمر للمسرح و لجمهوره ايضا، فالنصوص المسرحية العراقية متشابه بنسبة كبيرة جدا من ناحية المحتوى و الحوار و السيناريو “ان وجد فيها سيناريو” و المواقف الكوميدية او “التحشيشات كما تسمى” والتي تكون بذيئة او هابطة او غير مضحكة وقد تعتمد كثيرا على وجه الممثل وكيف يكون مضحك وليس النص او النكتة، من ناحية اخرى كل المسريحات العراقية لا توجد فيها حقوق فكرية للمؤلف، فالنسخ و السرقة الفكرية بين المؤلفين مستمرة دون حياء ولا تدخل نقابي لحماية المؤلف بل صار اتفاق غير مباشر لتبادل المنفعة بين المؤلفين حول نسخ النص بينهم وهو الذي ينتج نفس المسرحيات بنفس النصوص و نفس الحوارات بشكل دائم.
رابعا: شخصيات المسرحية العراقية: وهي شخصيات معروفة تتمحور حول ( شخص قصير قامة واخر اسود البشرة و شخص من الجنوب قادم من القرى، اثنان من الراقصات و مطرب او نفس المشارك بالمسرحية يغني و رجل كبير السن و اخر سمين ) وان اكنت هناك اضافة جديدة فاعتقد انها مكررة في مسريحات سابقة او لاحقة، ومن هذا الكادر يدور نفس الحوار الذي يعتمد جزء كبير منه على التنمر و الاستهزاء بالاشخاص “ان كان سمين قصير اصلع اسود وغير ذلك” ومن ضمن المسرحية يجب ان ترقص الراقصتان و ان تكون هناك اغنية “ردح” و ان يرقص كل الكادر المسرحي بشكل مبتذل غير هزلي.
خامسا: انخفاض الاجور للممثل المسرحي: لا تعتمد الاجور المالية للمثل المسرحي على قاعدة و قانون و تشريع واضح يمكن الاعتماد عليه فهي بين خطوط عامة و نهايات سائبة و تحت مسمى “كما هو معروف” وليست واضحة و تعتمد معدل اجور ادنى و ترتفع كلما ازدات خبرات او مشاركات الممثل ولا تفصل بين المهرج و الممثل و تاريخ الممثل فهي لاتخضع لقواعد ثابته، وبحسب ما هو متداول بين الممثلين فان الاجور ” منخفضة ولا تتوافق مع حاجات الممثل” بالتالي يضطر الى المشاركة في ٥ او ٧ مسرحيات سنويا وهي منسوخة النصوص معروفة الادوار لذلك لن يجد فيها الممثل صعوبة او ابداع.
سادسا: انعدام الضوابط: المسرح العراقي ليس فيه ضوابط واضحة حول التنمر و استخدام الكلمات “غير اللائقة” للجمهور و مستوى الحوار بين الممثلين وماهي الكوميديا المستخدمة “مواقف، حوارات، تمثيل” وماهو عدد المسرحيات التي يؤلفا المؤلف سنويا “حيث تقليص العدد المسموح يجعل من المسرحية اعلى مستوى” بالتالي ضعف الرقابة يساهم في هبوط مستوى المحتوى المسرحي.
وكنتيجة نهائية لم ينتج المسرح العراقي و منذ اعوام مسرحية كوميدية يشار اليها بالبنان على العكس من تاريخ المسرح العراقي والذي يستذكر العراقيون اسماء بعض مسرحياته الكوميدية العالقة بالاذهان وممثليه المحترمين الذين قدموا كوميديا راقية، فلماذا لا يتكرر هذا المسرح اذ وضعنا ضوابط و قضينا على ماهو سائد في مسارحنا من هبوط محتوى.